( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين )(1) صدق الله العظيم.
فهذه الآية الكريمة صريحة وجلية في أن الصحابة سينقلبون على أعقابهم بعد وفاة الرسول مباشرة ولا يثبت منهم إلا القليل كما دلت على ذلك الآية في تعبير الله عنهم - أي عن الثابتين الذين لا ينقلبون - بالشاكرين، فالشاكرون لا يكونون إلا قلة قليلة كما دل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( وقليل من عبادي الشكور )(2) .
وكما دلت عليه أيضا الاحاديث النبوية الشريفة التي فسرت هذا الانقلاب، والتي سوف نذكر البعض منها وإذا كان الله سبحانه لم يبين عقاب المنقلبين على أعقابهم في هذه الآية واكتفى بتمجيد الشاكرين الذين استحقوا جزاءه سبحانه وتعالى، غير أنه من المعلوم بالضرورة أن المنقلبين على الاعقاب لا يستحقون ثواب الله وغفرانه، كما أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله في أحاديث متعددة سوف نبحث في البعض منها إن شاء الله في هذا الكتاب.
ولا يمكن تفسير الآية الكريمة بطليحة وسجاح والاسود العنسي، وذلك حفاظا على كرامة الصحابة، فهؤلاء قد انقلبوا وارتدوا عن الاسلام وادعوا النبوة في حياته صلى الله عليه وآله وقد حاربهم رسول الله وانتصر عليهم، كما لا يمكن تفسير الآية الكريمة بمالك بن نويرة وأتباعه الذين منعوا الزكاة في زمن أبي بكر لعدة أسباب، منها: أنهم إنما منعوها ولم يعطوها إلى أبي بكر تريثا منهم حتى يعرفوا حقيقة الامر، إذ أنهم حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع وقد بايعوا الامام علي بن أبي طالب في غدير خم بعد ما نصبه رسول الله للخلافة كما بايعه أبو بكر نفسه، ففوجئوا عند قدوم رسول الخليفة بنعي رسول الله وطلبه الزكاة باسم الخليفة الجديد أبي بكر، وهي قضية لا يريد التاريخ الغوص في أعماقها حفاظا على كرامة الصحابة أيضا، ومنها أن مالكا وأتباعه مسلمون شهد بذلك عمر وأبو